بين مؤيد لهذا المشهد الدرامي, وبين معارض له, فقد طرحت أسئلة كثيرة حول ردود الفعل التي تلت الشتيمة وقذف الأحذية من قبل جورج بوش. فلو عدنا الى الشريط الذي بثته القنوات الفضائية مرارا وتكرارا لرأينا خبرة الرئيس الأمريكي في تفادي الحذاء الأول والثاني بكل إتقان وسرعة, ذاك الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على تجارب سابقة لدى سعادته.
من الأمور الغريبة أن نرى الرئيس الأمريكي يتعرض لمثل هذه الإهانة وهذا التجريح, وهو ما زال يقف خلف المايكروفون وعلى وجهه إبتسامة صفراء, وبقايا غبار الحذاء الذي أوشك على وضع ملامح جديدة لوجه بوش. تلك الإبتسامة لم تصدر عن فرحة بالإنتصار وإحلال السلام, ولم تصدر عن فرحة بعودة الجنود الأمريكيين سالمين الى الولايات المتحدة, ولم تصدر بالطبع عن إنتعاش الإقتصاد الأمريكي وإنتعاش الدولار ورجوعه الى مكانته وقيمته.
تلك الإبتسامة جاءت لتحكي لنا قصة عنصر قد إفتقده الرئيس الأمريكي وإفتقدته إدارته عندما فاز حزبه في الإنتخابات الأمريكية قبل ثمانية أعوام ألا وهو الكرامة. فمنذ ذلك اليوم أعلنت الحرب على دولتان, وأوشكت الثالثة على الإنخراط في مثلث "الشر", أفغانستان كانت أول الضحايا بذريعة محاربة الإرهاب, وها هي الآن وبعد سنوات على الحرب لم تعمر بالسلام ولم ينم لها جفن إلا ونسمع عن قتلى وموتى وجرحى فيها.
العراق هي ثاني الضحايا, وقد أدخلت في حرب بذريعة سلاح الدمار الشامل, الأمر الذي مهد الطريق للأمريكان وبتواطئ من بعض دول الجوار لإحتلال العراق وتخليصه من سلاح الدمار الشامل وإحلال السلام والديموقراطية على أراضيه. أما الدولة الثالثة فالذريعة لشن الحرب عليها كانت وشيكة, فالسلاح النووي لإيران شكل مصدر خوف للكثيرين, لكن الظروف السيئة للجنود الأمريكان في العراق, أبطأ من تبلور التطورات في أخذ القرار بشن الحرب على إيران.
كعادته جاء بوش ليقف على منصة ويطمأن الرأي العام والعالم كله أن العراق الآن بلد سلام, وآمان وديموقراطية, وذهب بحديثه يصنع لنا من الظلام نورا, ومن الجوع شبعا, ومن المستقبل زمنا لم يمر به أحد في سلام مماثل. لكن ديموقراطيته المبالغ فيها أدت الى أن تتطاير أحذية منتظر الزيدي من وسط قاعة المؤتمر الصحفي موجهة الى وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش مصاحبة بجملة "قبلة الوداع".
وداع لم يحظى به حتى هتلر من قبل أي يهودي حتى ولو عن بعد. هذا الحذاء لخص لجورج بوش الوضع الحالي ليس فقط ما يدور في العراق, بل لخص له أيضا ثماني سنوات من الإدارة الأمريكية الخارجية, بأن مستوى مخططاتها ومشاريعها وديموقراطيتها وحريتها لا تقل عن قيمة هذا الحذاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق