12/11/2010
عن عيد الاضحى المبارك
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا نِدَّ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيّه وخليله، أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً وهّاجاً وقمراً منيراً. صلى الله وسلم عليه ما لاحت النسائم وما غرّدت على الأيك الحمائم وعلى ءاله وأصحابه بدور الهدى والتُّقى وشموس الإخلاص والنّقى.
أما بعد عباد الله، أوصي نفسي وإيّاكم بتقوى الله العظيم، وأحثّكم على طاعة الله الكريم، وأستفتح بالذي هو خير، فخير الكلام كلام الله عزّ وجل، وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم {وفديناه بِذِبْحٍ عظيم} وها هو يوم النحر، يوم عيد الأضحى المبارك يطل علينا وقد حمل من المعاني الفاضلة والأخلاق السامية الكريمة ما يحثنا على التأسّي بنبي الله ورسوله إبراهيم عليه السلام في إخلاصه لله تعالى والتزامه أوامر الله وتوكله عليه سبحانه، وهذا شأن الأنبياء جميعاً عليهم صلوات الله وسلامه.
إخوة الإيمان، إنَّ في قصة سيدنا ابراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام وهي القصة التي قصّها الله علينا في القرءان لعِبْرَة، وإنَّ من شرف يوم النحر- عباد الله - أنَّ الله تبارك وتعالى ابتلى فيه الخليل إبراهيم بذبح ولده اسماعيل، وقال بعضهم: اسحق. يقول تعالى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام قد رأى في الرؤيا أنه يذبح ولده، فلم يترددْ إبراهيم ولم يجزع بل بادر إلى تنفيذ أمر الله وقال لولده كما يذكر أهل التاريخ والسّيَر "انطلق فنقرّب قربانا إلى الله عز وجل، وأخذ معه سكينا وحبلا، ثم مضى مع ابنه حتى إذا كانا بين الجبال قال له إسماعيل: يا أبت أين قربانك؟ قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى. أي أنني أمرت بذلك في المنام. فقال: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
إنه الجواب السديد من غلام ملأ اليقين قلبه وأفاض الإيمان على جوارحه فكان في غاية التسليم لأمر الله عز وجل. يقول تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَالْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
يقول أصحاب السير أنَّ اسماعيل قال لوالده: يا أبت اشدد علي رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مَرَّ السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليّ، فإذا أتيتَ أمي فاقرأ عليها السلام مني.
فأقبل عليه ابراهيم يقبّلُه ويبكي ويقول: نِعْمَ العونُ أنت يا بني على أمر الله عز وجل. ثم إنه أمَرَّ السكين على حلقِه فلم يحْكِ شيئاً وقيل أنها انقلبت، فقال له اسماعيل: ما لَك ؟ قال: انقلبت. فقال له: اطعن بها طعناً. فلما طعن بها نَبَتْ ولم تقطع شيئاً لأنَّ الله ما شاء ذلك. فالسكين لا تخلق القَطْعَ كما أنَّ الأكل لا يخلقُ الشِبع والشُربَ لا يخلقُ الرّي، والله تعالى هو خالق كل شيء ولا يكون إلا ما شاءه وقدَّره في الأزل. فالأسباب لا تخلق المسَبَّبات وكلٌ بخلق الله تعالى وعلمه ومشيئته. وقد علم سبحانه وتعالى في الأزل أنَّ ابراهيم وابنه لن يتأخرا عن الالتزام بأمر الله تعالى وأنهما صادقين في التسليم لله. فنودي: يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا وهذا فداء ابنك. فنظر إبراهيم فإذا جبريل عليه السلام معه كبشٌ أمْلَحُ عظيم جاء به من الجنة فكان فداء لاسماعيل عليه السلام.
إخوة الايمان، إنَّ من العبر والدلائل العظيمة التي تستفاد من هذه القصة أن مشيئة الله نافذة في مخلوقاته ولا رادَّ لقضائه، وأنَّ الأمرَ غيرُ المشيئة، وليس كلُّ ما شاء الله حصوله أَمَرَ به، وليس كل ما أمر به شاء حصولَه. فإيمان المؤمنين وطاعة الطائعين هو بأمر الله ومشيئته ومحبته وعلمه ورضاه. وأما كفر الكافرين وعصيان العاصين فهو بمشيئة الله وعلمه وقضائه وقدره، ولكنه ليس بأمر الله ولا بمحبته ولا برضاه. فالحذر الحذر من قول بعض الناس "كل شىء بأمر الله " والصحيح أن يقال: كل شىء بمشيئة الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. فيا فوز المستغفرين استغفروا الله
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق